الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
قوله في حديث أنس: قوله: وظاهر الحديث: الكلمة الطيبة في كل شيء؛ لأن الكلمة الطيبة في الحقيقة تفتح القلب وتكون سببًا لخيرات كثيرة، حتى إنها تُدخل المرء في جملة ذوي الأخلاق الحسنة. وهذا الحديث جمع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيه بين محذورين ومرغوب؛ فالمحذوران هما العدوى والطيرة، والمرغوب هو الفأل، وهذا من حُسن تعليم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فمن ذكر المرهوب ينبغي أن يذكر معه ما يكون مرغوبًا، ولهذا كان القرآن مثاني إذا ذكر أوصاف المؤمنين ذكر أوصاف الكافرين، وإذا ذكر العقوبة ذكر المثوبة، وهكذا. قوله: (عن عقبة بن عامر). صوابه عن عروة بن عامر؛ كما ذكره في (التيسير)، وقد اختلف في نسبه وصحبته. قوله: (ذكرت الطيرة عند رسول الله). وهذا الذكر إما ذكر شأنها، أوذكر أن الناس يفعلونها، والمراد: تحدث الناس بها عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ. ولأبي داود ـ بسند صحيح ـ عن عقبة بن عامر؛ قل: ذكرت الطيرة عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: قوله: قال النووي في (رياض الصالحين) (ص 620): (رواه أبو داود بإسناد صحيح).]، لكنه شبيه بالطيرة من حيث الإقدام؛ فإنه يزيد الإنسان نشاطًا وإقدامًا فيما توجه إليه؛ فهو يشبه الطيرة من هذا الوجه، وإلا؛ فبينهما فرق لأن الطيرة توجب تعلق الإنسان بالمتطير به، وضعف توكله على الله، ورجوعه عما هم به من أجل ما رأى، لكن الفأل يزيده قوة وثباتًا ونشاطًا؛ فالشبه بينهما هوالتأثير في كل منهما. قوله: قوله: قوله: وقوله: (اللهم). يعني: يا الله، ولهذا بُنيت على الضم؛ لأن المنادي علم، بل هوأعلم الأعلام وأعرف المعارف على الإطلاق، والميم عوض عن يا المحذوفة، وصارت في آخر الكلمة تبركًا بالابتداء باسم الله ـ سبحانه وتعالى ـ وصارت ميمًا؛ لأنها تدل الجمع؛ فكأن الداعي جمع قلبه على الله. قوله: والمراد بالحسنات: ما يستحسن المرء وقوعه، ويحسن في عينه. ويشمل ذلك الحسنات الشرعية؛ كالصلاة والزكاة وغيرها؛ لأنها تسر المؤمن، ويشمل الحسنات الدنيوية؛ كالمال والولد ونحوها، قال تعالى: وقوله: (إلا أنت). فاعل يأتي؛ لأن الاستثناء هنا مفرغ. قوله: (ولا يدفع السيئات إلا أنت). السيئات: ما يسوء المرء وقوعه وينفر منه حالًا أومآلًا، ولا يدفعها إلا الله، ولهذا إذا أصيب الإنسان بمصيبة التجأ إلى ربه تعالى، حتى المشركون إذا ركبوا في الفلك، وشاهدوا الغرق؛ دعوا الله مخلصين له الدين. ولا ينافي هذا أن يكون دفعها بأسباب؛ فمثلًا لورأى رجلًا غريقًا، فأنقذه؛ فإنما أنقذه بمشيئة الله، ولوشاء الله لم ينقذه؛ فالسبب من الله. فعقيدة كل مسلم أنه لا يأتي بالحسنات إلا لله، ولا يدفع السيئات إلا الله، وبمقتضى هذه العقيدة؛ فإنه يجب أن لا يسأل المسلم الحسنات ولا يسأل دفع السيئات ويسألون دفع السيئات، قال تعالى عن زكريا: قوله: الأول: أنه لا يوجد حول ولا قوة إلا بالله؛ فالباء بمعنى في، يعني: إلا في الله وحده، ومن سواه ليس لهم حول ولا قوة، ويكون الحول والقوة المنفيان عن غير الله هما الحول المطلق والقوة المطلقة؛ لأن غير الله فيه حول وقوة، لكنها نسبية ليست بكاملة؛ فالحول الكامل والقوة الكاملة في الله وحده. الثاني: أنه لا يوجد لنا حول ولا قوة إلا بالله؛ فالباء للاستعانة أو للسببية، وهذا المعنى أصح، وهو مقتضى ورودها في مواضعها؛ إذ إننا لا نتحول من حال إلى حال، ولا نقوى على ذلك إلا بالله؛ فيكون في هذه الجملة كمال التفويض إلى الله، وأن الإنسان يبرأ من حوله وقوته إلا بما أعطاه الله من الحول والقوة. فإن صح الحديث؛ فالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أرشدنا إذا رأينا ما نكره مما يتشاءم به المتشائم أن نقول: * * * وعن ابن مسعود مرفوعا: قال النووي في (رياض الصالحين) (ص 620): (رواه أبو داود بإسناد صحيح).] رواه أبوداود والترمذي وصححه. جعل آخره من قول ابن مسعود. ـ قوله: (مرفوعا). أي: إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ. قوله: وقوله: (شرك). أي: إنها من أنواع الشرك، وليست الشرك كله، وإلا؛ لقال: الطيرة شرك. وهل المراد بالشرك هنا الشرك الأكبر المخرج من الملة، أوأنها نوع من أنواع الشرك؟ نقول: هي نوع من أنواع الشرك؛ كقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: لكن في ترك الصلاة قال: فإذا تطير إنسان بشيء رآه أو سمعه؛ فإنه لا يعد مشركا شركا يخرجه من الملة، لكنه أشرك من حيث إنه اعتمد على هذا السبب الذي لم يجعله الله سببا، وهذا يضعف التوكل على الله ويوهن العزيمة، وبذلك يعتبر شركا من هذه الناحية، والقاعدة: (إن كل إنسان اعتمد على سبب لم يجعله الشرع سببا؛ فإنه مشركا شركا أصغر). وهذا نوع من الإشراك مع الله؛ إما في التشريع إن كان هذا السبب شرعيا، وإما في التقدير إن كان هذا السبب كونيا، لكن لو اعتقد هذا المتشائم المتطير أن هذا فاعل بنفسه دون الله؛ فهومشركا شركا أكبر؛ لأنه جعل لله شريكا في الخلق والإيجاد. قوله: (وما منا). (منا): جار ومجرور خبر لمبتدأ محذوف، إما قبل (إلا) إن قدرت ما بعد إلا فعلا؛ أي: وما منا إلا تطير، أو بعد (إلا)؛ أي: وما منا إلا متطير. والمعنى: ما منا إنسان يسلم من التطير؛ فالإنسان يسمع شيئا فيتشاءم، أو يبدأ في فعل؛ فيجد أوله ليس بالسهل فيتشاءم ويتركه. والتوكل: صدق الاعتماد على الله في حلب النافع ودفع المضار مع الثقة بالله، وفعل الأسباب التي جعلها الله تعالى أسبابا. فلا يكفي صدق الاعتماد فقط، بل لابد أن تثق به؛ لأنه سبحانه يقول: قوله: (وجعل آخره من قول ابن مسعود). وهو قوله: مثال ما كان في أول الحديث: قول أبي هريرة رضي الله عنه: ومثال ما كان في وسطه قول الزهري في حديث بدء الوحي: قوله: ولأحمد من حديث ابن عمرو: وقوله: (عن حاجته). الحاجة: كل ما يحتاجه الإنسان بما تتعلق به الكمالات، وقد تطلق على الأمور الضرورية. قوله: (فقد أشرك). أي: شركا أكبر إن اعتقد أن هذا المتشاءم به يفعل ويحدث الشر بنفسه، وإن اعتقده سببا فقط فهو أصغر؛ لأنه سبق أن ذكرنا قاعدة مفيدة في هذا الباب، وهي: (إن كل من اعتقد في شيء أنه سبب ولم يثبت أنه سبب لا كونا ولا شرعا؛ فشركه شرك أصغر؛ لأنه ليس لنا أن يثبت أن هذا سبب إلا إذا كان الله قد جعله سببا كونيا أو شرعيا؛ فالشرعي: كالقراءة والدعاء، والكوني: كالأدوية التي جرب نفعها). قوله: (فما كفارة ذلك). أي: ما كفارة هذا الشرك، أو ما هو الدواء الذي يزيل هذا الشرك؟ لأن الكفارة قد تطلق على كفارة الشيء بعد فعله، وقد تطلق على الكفارة قبل الفعل، وذلك لأن الاشتقاق مأخوذ من الكفر، وهو الستر، والستر واق؛ فكفارة ذلك إن وقع وكفارة ذلك إن لم يقع. وقوله: وقوله: وقوله: ويحتمل أن المراد بالطير هنا ما يتشاءم به الإنسان؛ فكل ما يحدث للإنسان من التشاؤم والحوادث المكروهة؛ فإنه من الله كما أن الخير من الله؛ كما قال تعالى: لكن سبق لنا أن الشر في فعل الله ليس بواقع، بل الشر في المفعول لا في الفعل، بل فعله تعالى كله خير؛ إما خير لذاته، وإما لما يترتب عليه من المصالح العظيمة التي تجعله خيرا. فيكون قوله: قوله: (ولا إله غيرك). (لا) نافية للجنس، و(إله) بمعنى: مألوه؛ كغراس بمعنى مغروس، وفراش بمعنى مفروش، والمألوه: هوالمعبود محبة وتعظيما يتأله إليه الإنسان محبة له وتعظيما له. وله من حديث الفضل بن عباس: فإن قيل: إن هناك آلهة دون الله؛ كما قال تعالى: أجيب: أنها وإن عبدت من دون الله وسميت آلهة؛ فليست آلهة حقا لأنها لا تستحق أن تعبد؛ فلهذا نقول: لا إله إلا الله؛ أي: حق لا إله إلا الله. *يستفاد من الحديث: 1-أنه لا يجوز للإنسان أن ترده الطيرة عن حاجته، وإنما يتوكل على الله ولا يبالي بما رأى أوسمع أوحدث له عند مباشرته للفعل أول مرة؛ فإن بعض الناس إذا حصل له ما يكره في أول مباشرته الفعل تشاءم، وهذا خطأ؛ لأنه ما دامت هناك مصلحة دنيوية أودينية؛ فلا تهتم بما حدث. 2- أن الطيرة نوع من الشرك؛ لقوله: 3-أن من وقع في قلبه التطير ولم ترده الطيرة؛ فإن ذلك لا يضر كما سبق في حديث ابن مسعود: 5-انفراد الله بالألوهية؛ كما انفرد بالخلق والتدبير. وحصرا؛ أي: ما الطيرة إلا ما أمضاك أوردك لا ما حدث في قلبك ولم تلتفت إليه، ولا ريب أن السلامة منها حتى في تفكير الإنسان خير بلا شك، لكن إذا وقعت في القلب ولم ترده ولم يلتفت لها؛ فإنها لا تضره، لكن عليه أن لا يستسلم، بل يدافع؛ إذ الأمر كله بيد الله. قوله: وأما (ما أمضاك)؛ فلا يخلومن لأمرين: الأول: أن تكون من جنس التطير، وذلك بأن يستدل لنجاحه أوعدم نجاحه بالتطير، كما لوقال: سأزجر هذا الطير، فإذا ذهب إلى اليمين؛ فمعنى ذلك اليمن والبركة، فيقدم؛ فهذا لاشك أنه تطير؛ لأن التفاؤل بمثل انطلاق الطير عن اليمين غير صحيح؛ لأنه لا وجه له؛ إذ الطير إذا طار؛ فإنه يذهب إلى الذي يرى أنه وجهته، فإذا اعتمد عليه؛ فقد اعتمد على سبب لم يجعله الله سببا، وهو حركة الطير. الثني: أن يكون سبب المضي كلاما سمعه أو شيئا شاهده يدل على تيسير هذا الأمر له؛ فإن هذا فأل، وهو الذي يعجب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لكن إن اعتمد عليه وكان سببا لإقدامه؛ فهذا حكمه الطيرة، وإن لم يعتمد عليه ولكنه فرح ونشط وازداد نشاطا في طلبه؛ فهذا من الفأل المحمود. والحديث في سنده مقال، لكن على تقدير صحته هذا حكمه. * * * الأولي: التنبيه على قوله:
|